تدفق الفعاليات الحر كامتداد للنهج الديمقراطي الشمولي في الطفولة المبكرة

تدفق الفعاليات الحر كامتداد للنهج الديمقراطي الشمولي في الطفولة المبكرة
في السنوات الأخيرة، اتجهت العديد من الحضانات ومراكز الطفولة المبكرة إلى تبني مفهوم تدفق الفعاليات الحر
Flow Play Free كجزء اساسي من استراتيجياتها التربوية، ليس بوصفه نهجًا عشوائيًا في تنظيم الوقت، بل كترجمة فعلية لرؤية تربوية أعمق هي النهج الديمقراطي الشمولي في التعامل مع الطفل وتطوره.
الفلسفة التربوية وراء تدفق الفعاليات الحر
تقوم فكرة تدفق الفعاليات الحر على السماح للطفل بالتنقّل بحرية بين محطات اللعب والأنشطة، وفقًا لاهتمامه الخاص، وبالوتيرة التي تلائمه، ولفترة يقررها بنفسه. في هذا النوع من التنظيم، لا يُفرض النشاط ولا يُحدد مداه زمنيًا مسبقًا، بل يُتاح للطفل أن يقود تجربته، في ظل بيئة مهيّأة بشكل دقيق، وآمنة جسديًا وعاطفيًا.
ولكن، لا يعني ذلك غياب التنظيم أو الإطار التربوي، بل على العكس تماماً، يتطلب تطبيق هذا النهج درجة عالية من التخطيط المسبق، والوعي من قبل الطاقم التربوي، لضمان تحقيق الأهداف التنموية دون تقويض حرية الطفل أو فرض نمط تعلم موحد عليه.
النهج الديمقراطي الشمولي كمرجعية تربوية
يرتكز النهج الديمقراطي الشمولي في التربية على إيمان عميق بأن كل طفل هو كائن مستقل، فاعل في بيئته، يمتلك القدرة على اتخاذ القرار، واستكشاف العالم من حوله وفقًا لقدراته وإيقاع نموه الفردي. يرفض هذا النهج فرض الأوامر أو البرامج النمطية الصارمة، ويشجّع على التعلّم التفاعلي الذي يحترم الفروقات الفردية، ويمنح الطفل صوتًا في العملية التربوية.
ضمن هذا السياق، لا تكون الحاضنة "ناقلة للمعلومة"، بل "مرافقة" لكل طفل بحسب وتيرته ومزاجه وميوله، تدعم الحاضنة تطور الطفل من خلال خلق بيئة غنية بالفرص، منظمة بوضوح، لكنها مرنة، وتُدار بوعي تربوي. هذه البيئة تُسهم في تعزيز استقلالية الطفل، وتعزيز حسّه بالمسؤولية، وتشجّعه على اتخاذ القرار، وتحمل نتائجه.
العلاقة بين التدفق الحر والنهج الديمقراطي
تُعتبر ممارسة تدفق الفعاليات الحر تطبيقًا عمليًا ملموسًا لمبادئ النهج الديمقراطي الشمولي. فعندما يُمنح الطفل حرية اختيار النشاط، ووقت التفاعل معه، وطريقة الدخول والخروج منه، يتم الاعتراف به ككائن قادر على التعلّم من تجربته، وصاحب ارادة ورأي وتأثير.
هذه الممارسات تُرسّخ قيمًا ديمقراطية مبكرة مثل حرية الاختيار، احترام الآخر، احترام القواعد المتفق عليها، والمشاركة التعاونية، وهي مفاهيم أساسية في بناء شخصية متوازنة، وفعّالة اجتماعيًا.
دور الحاضنة في دعم التدفق الحر
لا تقتصر مهمة الحاضنة في هذا السياق على مراقبة الأطفال فحسب، بل تتطلب منها درجة عالية من الوعي التربوي والقدرة على "التدخل دون السيطرة". فالتدخل لا يكون إلا عند الحاجة الفعلية، بهدف دعم الطفل دون سلبه فرصة التعلّم من التجربة. وتُعتبر ممارسات مثل: إعداد البيئة محفزة، تنويع المواد المستخدمة، مراقبة العلاقات بين الأطفال، وتقديم نماذج حوارية مشجّعة، عناصر حاسمة في نجاح هذا النهج.
إن تبنّي الحضانات لنهج تدفق الفعاليات الحر لا يأتي كخيار تنظيمي فحسب، بل هو امتداد مباشر لفلسفة تربوية تؤمن بقدرات الطفل، وتراهن على استقلاليته ونموّه المتكامل. ومن خلال المزج بين بيئة غنية ومحفّزة، ومرافقة تربوية واعية، يتمكن الطفل من بناء فهم ذاتي للعالم من حوله، وتنمية مهارات حياتية أساسية تظل ملازمة له في رحلته التعليمية والاجتماعية.
المصدر:
1- Tina Bruce (2010). Learning Through Play: For Babies, Toddlers and Young Children. Routledge.
2- Department for Education (UK). (2021). Statutory Framework for the Early Years Foundation Stage (EYFS).
https://www.gov.uk/government/publications/early-years-foundation-stage-framework-



